إعلان أدسنس

سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت[6]



  ∫∫    الحـ١٥ــلقة   ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎ترجمة محمد بن خوارزم وأسباب هزيمته:

وعندما نقرأ كلام ابن الأثير وهو يتحدث عن سيرة محمد بن خوارزم شاه تجد كلاماً غريباً وأموراً غريبة، وتجد أنك أمام إمام عظيم من عظماء المسلمين، فإذا راجعت حياة الرجل الأخيرة وخاتمته وفراره وهزيمته تبدّى لك غير ذلك،

يقول ابن الأثير رحمه الله في ذكر سيرته: وكان مدة ملكه إحدى وعشرين سنة وعدة أشهر، واتسع ملكه، وعظُم محله، وأطاعه العالم بأسره، وملك من حد العراق إلى تركستان، وهي بلاد مسلمة محتلة من الصين الآن، وملك بلاد غزنة -وهي في أفغانستان- وبعض الهند، وملك سجستان وكرمان -وهما في باكستان- وطبرستان وجرجان وبلاد الجبال وخراسان وبعض فارس -وكل هذه المناطق في إيران- فكل هذه المناطق ملكها هذا الزعيم الذي فر من التتار.

ومن هذه الفقرة يتبين لنا أنه كان عظيماً في ملكه، وقد استقر له الوضع في بلاد واسعة لفترة طويلة، وهذا يظهر حسن إدارته لبلاده،

حتى أن ابن الأثير يقول في فقرة أخرى: وكان صبوراً على التعب وإدمان السير، غير متنعم ولا مقبل على اللذات، وإنما همه في الملك وتدبيره وحفظه وحفظ رعاياه.

وعندما تحدث ابن الأثير عن حياته العلمية الشخصية قال: وكان فاضلاً، عالماً بالفقه والحديث وغيرهما، وكان مكرماً للعلماء، محباً لهم، محسناً إليهم، وكان معظماً لأهل الدين، مقبلاً عليهم، متبركاً بهم.

وهذا الوصف لـ محمد بن خوارزم شاه يمثل لغزاً كبيراً، فكيف يكون على هذه الصفة النبيلة، ثم تحدث له هذه الهزائم المنكرة؟ وكيف لا يجد جيشاً من كل أطراف مملكته الواسعة يصبر على حرب التتار حتى ينتهي هذه النهاية المؤسفة ويفر هذا الفرار الفاضح؟

كنت في حيرة من أمري وأنا أحلل هذا الموقف، ثم وجدت نصاً في مكان آخر في كتاب ابن الأثير يفسر كثيراً من الألغاز في حياة هذا الرجل.

يقول ابن الأثير رحمه الله: وكان محمد بن خوارزم قد استولى على البلاد، وقتل ملوكها وأفناهم، وبقي هو وحده سلطان البلاد جميعها، فلما انهزم من التتار لم يبق في البلاد من يمنعهم، ولا من يحميها.
وهذا النص تفسير واضح لمدى المأساة التي كان يعيشها المسلمون في ذلك الوقت.

فقد كان محمد بن خوارزم شاه جيداً في ذاته وفي إدارته، ولكنه قطّع كل العلاقات بينه وبين من حوله من الأقطار الإسلامية، ولم يتعاون معها، بل على العكس قاتلها الواحدة تلو الأخرى، وكان يقتل ملوك هذه الأقطار ويضمها إلى مملكته، ولا شك أن هذا خلّف عليه أحقاداً كبيرة في قلوب سكان هذه البلاد، وهذا ليس من الحكمة في شيء.

ورسول الله عندما كان يفتح البلاد كان يولي زعماءها عليها؛ ليكسب بذلك ولاءهم وحب الناس له، فعلى سبيل المثال لما أسلم ملك البحرين المنذر بن ساوي رضي الله عنه أبقاه على حكم بلاده، وأبقى على حكم عمان ملكيها جيفر وعباد ممن أسلموا وتركهم على حكم البلاد، وأبقى على اليمن واليها باذان بن ساسان الفارسي.
وهذا من السياسة والحكمة، وهو جمع جميل جداً بين الحزم والحب، وأسلوب راق جداً في الإدارة.

وأما هنا فقد افتقد الزعيم محمد بن خوارزم هذا الجمع الجميل بين الحب والحزم، وأصبح حاكماً بقوته لا بحب الناس له، فلما احتاج وافتقر إلى الناس والأعوان لم يجدهم،

ولم تكن خلافات الدولة الخوارزمية مع الخلافة العباسية فقط، وإنما قامت الدولة الخوارزمية نفسها على صراعات داخلية وخارجية في كل مكان، وعلى مكائد كثيرة ومؤامرات عدة، فلم تتوحد القلوب في هذه البلاد، ومن ثم لم تتوحد الصفوف، ومن المحال أن يحدث النصر والأمة على هذه الصورة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:٤]،



هذا هو سر اللغز في حياة قائد عالم فقيه، اتسع ملكه وكثرت جيوشه ثم مات طريداً شريداً وحيداً فقيراً في عمق البحر، وصدق الرسول إذ يقول فيما رواه النسائي وأحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه: (عليكم بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب القاصية)، أي: الغنم القاصية.



       ∫∫    الحـ١٦ــلقة   ∫∫

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎احتلال التتار لمازندران والري وقزوين وأرمينيا والكرج:

عادت الفرقة التترية الخاصة من شاطئ بحر قزوين إلى[ بلاد مازندران] فملكوها في أسرع وقت، مع حصانتها وصعوبة الدخول إليها وامتناع قلاعها، 

مع أنها كانت من أشد بلاد المسلمين قوة، حتى أن المسلمين لما ملكوا بلاد الأكاسرة أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه من أدناها إلى أقصاها ما استطاعوا أن يدخلوا مازندران، ولم يدخلوها إلا في زمان سليمان بن عبد الملك رحمه الله الخليفة الأموي المعروف، 

ولكن التتار دخلوها بسرعة عجيبة جداً لا لقوتهم ولكن لضعف نفسيات أهلها في ذلك الوقت، ولما دخلوها فعلوا بها ما فعلوه في غيرها، فقتلوا وعذّبوا وسبوا ونهبوا وأحرقوا البلاد والعباد، 

ثم اتجهوا إلى الري، وهي أيضاً مدينة إيرانية كبيرة، وكأن الله عز وجل أراد أن يتم الذلة لـ محمد بن خوارزم شاه حتى بعد وفاته، فقد وجد التتار في طريقهم من مازندران إلى الري والدة محمد بن خوارزم وزوجاته ومعهن الأموال الغزيرة والذخائر النفيسة التي لم يسمع بمثلها قبل ذلك، فأخذوا كل ذلك سبياً وغنيمة، وأرسلوهم من فورهم إلى جنكيز خان المتمركز في سمرقند آنذاك.

ولما وصل التتار إلى الري ملكوها ونهبوها وسبوا النساء والأطفال، وفعلوا الأفعال التي لم يسمع بمثلها قبل ذلك، ثم فعلوا مثل ذلك في المدن والقرى المحيطة بها، حتى دخلوا مدينة قزوين فقتلوا من المسلمين فيها أربعين ألفاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، 

ثم اتجهوا إلى غرب بحر قزوين إلى إقليم أذربيحان المسلم، ومروا في طريقهم على مدينة تبريز، وهي مدينة من مدن أذربيحان، وهي الآن من مدن إيران، فقرر زعيمها المسلم [أوزبك بن البهلوان] أن يصالح التتار على الأموال والثياب والدواب، ولم يفكر مطلقاً في حربهم، فقد كان لا يفيق من شرب الخمر ليلاً أو نهاراً، وكثير من زعماء المسلمين يشربون الخمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فرضي التتار منه بذلك؛ لأن الشتاء القارص كان قد دخل على هذه المنطقة، 

ثم اتجه التتار إلى الساحل الغربي لبحر قزوين، وتركوا تبريز إلى أجل، وبدءوا في اجتياح الناحية الشرقية لأذربيجان متجهين ناحية الشمال،

 وفي الطريق اجتاحوا وأرمينيا وجورجيا، وأرمينيا كانت مملكة يسكنها الكثير من النصارى، وأما جورجيا فقد كان يتجمع فيها قبائل الكرج، وهي قبائل نصرانية ووثنية، فقاتل التتار مملكتي أرمينيا والكرج، 

وانتهى القتال بهزيمة الكرج وأرمينيا، واجتاح التتار هذه البلاد وضموها في أملاكهم، وقُتل من الكرج في هذه الموقعة ما لا يحصى من العدد، فتعدى أمر التتار المسلمين إلى النصارى في أرمينيا والكرج.

وكل هذا الذي ذكرناه من الاسترقاق والقتل والسبي فعل الفرقة التترية الصغيرة، العشرون ألفاً الذين أطلقهم جنكيز خان خلف محمد بن خوارزم شاه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


#يتبع غدا إن شاء الله احتلال التتار لمرو وإبادة أهلها
سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت[6] سلسلة التتار  من البداية إلى عين جالوت[6] بواسطة الميثاق في يونيو 24, 2019 تقييم: 5

هناك تعليق واحد:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.