إعلان أدسنس

سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت[8]





             ∫∫    الحـ١٩ــلقة   ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎تدمير التتار لنيسابور وإبادة أهلها:

ثم جاوز التتار مرو إلى نيسابور، وكانت هي الأخرى مدينة كبيرة جداً من إقليم خراسان، وهي تقع الآن في الشمال الغربي لدولة إيران، وحاصروها خمسة أيام، ومع أنه كان في المدينة جمع كبير من الجنود المسلمين إلا أن أخبار مرو كانت قد وصلت إليهم فدب الرعب والهلع في أوساط المسلمين، ولم يستطيعوا أن يقاوموا التتار، فدخل التتار المدينة وأخرجوا كل أهلها إلى الصحراء

وجاء من أخبر ابن جنكيز خان بأن بعضاً من سكان مرو قد سلم من القتل، فقد ضربوا بالسيف ضربات غير قاتلة، فظنهم التتار قد ماتوا فتركوهم فهربوا،

فأمر ابن جنكيز خان في نيسابور أن يُقتل كل رجال البلد بلا استثناء، وأن تقطّع رءوسهم لكي يتأكدوا من قتلهم، ثم قام بسبي كل نساء نيسابور، وأقاموا في المدينة ١٥ يوماً يفتشون الديار عن الأموال والنفائس، ثم تركوا نيسابور كما يقول ابن الأثير أثراً بعد عين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

💎تدمير التتار لمدينة هراة وإبادة أهلها:

ثم اتجهوا إلى (هراة )شمال غرب أفغانستان، ولم تسلم المدينة من مصير مدينتي مرو ونيسابور، فقد قُتل كل من فيها من الرجال وسُبيت كل النساء، وخُرّبت المدينة كلها وأُحرقت،

 لكن أمير هذه المدينة واسمه ( ملك خان) استطاع الهروب بفرقة من جيشه باتجاه غزنة في جنوب أفغانستان بعيداً عن أرض القتال، وهكذا في ذلك الزمن كان الملوك والرؤساء يوفقون دائماً إلى الهرب، بينما تسقط شعوبهم في براكين التتار، وفي التاريخ عبرة،

وبسقوط هراة يكون إقليم خراسان قد سقط بكامله في أيدي التتار، ولم يبق فيه مدينة واحدة.

وتمت كل هذه الأحداث التي ذكرناها في العام ٦١٧ هـ، وهذا من أعجب الأمور التي مرت في تاريخ الأرض مطلقاً.

سلسلة التتار
من البداية إلى عين جالوت

             ∫∫    الحـ٢٠ــلقة   ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎اجتياح التتار لإقليم خوارزم:

وأما إقليم خوارزم فقد كانت أشهر مدنه هي مدينة خوارزم، فقد كانت مركز عائلة خوارزم شاه، وكان بها تجمع ضخم جداً من المسلمين، وكانت حصون مدينة خوارزم من أشد حصون المسلمين بأساً وقوة، وهي تقع الآن على الحدود بين أوزبكستان وتركمانستان على نهر جيحون، وكانت تمثل للمسلمين قيمة اقتصادية واستراتيجية وسياسية كبيرة جداً،

ولأهمية هذه البلدة وجه إليها جنكيز خان أعظم جيوشه وأكبرها، فقام هذا الجيش بحصار المدينة لمدة خمسة أشهر كاملة، ولم يتم له الفتح، فطلبوا المدد من جنكيز خان فأمدهم بخلق كثير فزحفوا على البلد زحفاً متتابعاً وضغطوا عليه من كل موضع، حتى استطاعوا أن يحدثوا ثغرة في الأسوار، فدخلوا المدينة، ودار قتال رهيب بين التتار والمسلمين وفني من الفريقين عدد كبير جداً إلا أن السيطرة الميدانية كانت للتتار، ثم تدفقت جموع جديدة من التتار على المدينة، وحلت الهزيمة الساحقة بالمسلمين، ودار القتل على أشده فيهم وبدأ المسلمون في الهروب والاختفاء في السراديب والخنادق والديار،

فقام التتار بهدم سد ضخم كان مبنياً على نهر جيحون، يمنع الماء من دخول المدينة، فتدفق الماء الغزير طوفاناً على خوارزم، فأُغرقت المدينة بكاملها، ودخل الماء في كل السراديب والخنادق والديار، فتهدمت الديار بفعل الطوفان الهائل، ولم يسلم من مدينة خوارزم أحد البتة، فمن نجا من القتل قُتل تحت الهدم أو أُغرق بالماء، وأصبحت المدينة العظيمة خراباً، ولم يتركها التتار إلا وقد اختفت من على وجه الأرض، وأصبح مكانها ماء نهر جيحون، فكان من يمر على المدينة الضخمة بعد ذلك لا يستطيع أن يرى أثر لأي حياة سابقة.

وهذا كما يقول ابن الأثير: ما لم يُسمع بمثله في قديم الزمان وحديثه، اللهم ما حدث مع قوم نوح عليه السلام، ونعوذ بالله من الخذلان بعد النصر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

كانت هذه الأحداث الدامية أيضاً في سنة ٦١٧ هـ، وبتدمير إقليمي خراسان وخوارزم سيطر التتار على المناطق الشمالية والوسطى من دولة خوارزم الكبرى، ووصلوا في تقدمهم ناحية الغرب إلى قريب من نهاية الدولة الخوارزمية على حدود العراق، ولكنهم لم يقتربوا بعد من جنوب دولة خوارزم.

سلسلة التتار
من البداية إلى عين جالوت

             ∫∫    الحـ٢١ــلقة   ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎معركة بلق:

وكان جنوب دولة خوارزم تحت سيطرة رجل اسمه جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه ابن الزعيم الخوارزمي الكبير محمد بن خوارزم.

وجنوب دولة خوارزم كان يشمل وسط وجنوب أفغانستان وباكستان، وكان يفصل بينه وبين الهند نهر السند، وكان جلال الدين زعيم الجنوب يتخذ مدينة غزنة مقراً له، وهي في أفغانستان الآن، وتقع على بعد ١٥٠ كيلو متر جنوب مدينة كابل، وكانت مدينة حصينة جداً حيث تقع في وسط جبال باروبا ميزوس الأفغانية.

ولما انتهى جنكيز خان من أمر الزعيم الرئيسي للبلاد محمد بن خوارزم شاه وأسقط دولته بهذا الشكل البشع بدأ يفكر في غزو وسط أفغانستان وجنوبها، فقد كان يريد أن يحتل كل دولة خوارزم الكبرى، وينتهي من أمر جلال الدين الذي ورث الحكم بعد أبيه محمد بن خوارزم شاه،

فوجه جنكيز خان إلى غزنة جيشاً كثيفاً جداً من التتار، وكانت أخبار الاجتياح التتري الرهيب لمناطق الشمال والوسط من الدولة الخوارزمية قد بلغت جلال الدين، وبلغه ما حدث لأبيه وكيف مات في جزيرة في بحر قزوين، وأنه قد أصبح الزعيم الشرعي للبلاد،

فبدأ يُعد العدة لقتال التتار، فجمع جيشاً كبيراً من بلاده، وانضم إليه أحد ملوك الأتراك المسلمين واسمه سيف الدين بغراق، وكان هذا الملك شجاعاً مقداماً، صاحب رأي ومكيدة وحرب، وكان معه ثلاثون ألف مقاتل،

ثم انضم إليه ستون ألف مقاتل من الجنود الخوارزمية التي استطاعت أن تفر من المدن الإسلامية الكثيرة التي احتلها التتار،

ثم انضم إليه أيضاً ملك خان، وهو أمير مدينة هراة الذي هرب منها بفرقة من جيشه،

فبلغ جيش جلال الدين عدداً كبيراً جداً، ولا يعرف عدده بالضبط، ولكن كان عدد جيش سيف الدين بغراق تسعين ألفاً، غير جيش هراة، وغير جيش جلال الدين نفسه الذي هو جيش أفغانستان،

فخرج جلال الدين بهذا الجيش الكبير إلى منطقة بجوار مدينة غزنة تدعى بلق، وكانت منطقة وعرة جداً وسط الجبال العظيمة،
وانتظر جيش التتار في هذا المكان الحصين، فجاء جيش التتار،

ودارت بين قوات جلال الدين المتحدة وقوات التتار معركة من أشرس المواقع في هذه المنطقة، وقاتل المسلمون فيها قتال المستميت،

فهذه أطراف المملكة الخوارزمية، ولو حدثت هزيمة فليس بعدها أملاك، فكان لحمية المسلمين في هذه الموقعة وصعوبة الطبيعة الصخرية والجبلية، وكثرة أعداد المسلمين وشجاعة الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق والقيادة الميدانية لـ جلال الدين أثراً واضحاً في ثبات المسلمين أمام جحافل التتار،

واستمرت الموقعة الرهيبة ثلاثة أيام ثم أنزل الله عز وجل نصره على المسلمين، فانهزم التتار للمرة الأولى في بلاد المسلمين، وكثر فيهم القتل وفر الباقون منهم إلى ملكهم جنكيز خان،

وكان جنكيز خان في ذلك الوقت قد ترك سمرقند وتمركز في منطقة تعرف بالطالقان شمال شرق أفغانستان؛ ليكون قريباً من الأحداث.

وبعد هذه الموقعة ارتفعت معنويات المسلمين جداً، فقد كان وقر في قلوب الكثيرين قبل هذه الموقعة أن التتار لا يُهزمون، ولكن اتحاد الجيوش الإسلامية في غزنة آتى ثماره، فقد اتحدت في هذه الموقعة جيوش جلال الدين مع بقايا جيوش أبيه محمد بن خوارزم مع الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق مع ملك خان أمير هراة، واختاروا مكاناً مناسباً وأخذوا بالأسباب المتاحة فكان النصر.

سلسلة التتار
من البداية إلى عين جالوت

             ∫∫    الحـ٢٢ــلقة   ∫∫
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
💎 معركة كابل:

فاطمأن جلال الدين إلى جيشه، وأرسل رسالة إلى جنكيز خان في الطالقان يدعوه إلى قتال جديد، ولأول مرة يشعر جنكيز خان بالألم، فجهّز جيشاً أكبر، وأرسله مع أحد أبنائه لقتال المسلمين، وتجهّز الجيش المسلم،

والتقى الجيشان في مدينة كابل الأفغانية، وهي مدينة حصينة جداً، فهي تُحاط من كل جهاتها تقريباً بالجبال، ففي شمالها جبال هندكوش الشاهقة، وفي غربها جبال باروبا ميزوس، وفي جنوبها وشرقها جبال سليمان، ودارت موقعة كابل الكبيرة، وكان القتال عنيفاً جداً وأشد ضراوة من موقعة غزنة،

 وثبت المسلمون وحققوا نصراً غالياً ثانياً على التتار، وأنقذوا عشرات الآلاف من الأسرى المسلمين من يد التتار، فارتفعت معنويات المسلمين جداً، وفرح المسلمون جداً وفرحنا، وقلنا: إن هاتين الموقعتين كانتا نهاية لأحزان وآلام المسلمين،

لكن بقيت في القصة مفاجأة عجيبة وقاسية، يعدها البعض نعمة وهي في الحقيقة نقمة، فقد حدث شيء أعاد الكرة للتتار وأضاع النصر من المسلمين، فيا ترى ما هو هذا الشيء؟ وما هذه المفاجأة؟ وما هو مصير جلال الدين بن محمد بن خوارزم؟ وما هو مصير أفغانستان؟ وما هو رد فعل العالم الإسلامي لسقوط دولة خوارزم الكبرى بكاملها؟ هذا ما سنعرفه وغيره إن شاء الله في المحاضرة القادمة.

أسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن يجعل لنا في التاريخ عبرة، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:٤٤].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 انتهت المحاضرة الثانية
#يتبع غدا باذن الله المحاضرة الثالثة بعنوان
سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت[8] سلسلة التتار   من البداية إلى عين جالوت[8] بواسطة الميثاق في يوليو 01, 2019 تقييم: 5

هناك 5 تعليقات:

  1. اتمنى لك المزيد من العطاء

    ردحذف
  2. قصص راااااائعة شكرا لك على كل مجهوداتك أتمنى لك التوفيق أخي الغالي
    واااااصل أخي فالله

    ردحذف

يتم التشغيل بواسطة Blogger.