غريس براون شبح البحيرة الحزين[١]
البارات 1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- "هل ستتزوجني حقا ؟" .. نظرت غريس إلى جانب السرير حيث يقف حبيبها تشيستر جيليت يرتدي ملابسه.
- " بالطبع حبيبتي , سنتزوج قريبا جدا" قال وهو يكمم أزرار قميصه ثم صمت لبرهة قصيرة قبل أن يتابع قائلا : "أنا بحاجة لبعض الوقت فقط لأرتب أموري".
- "أنت تقول هذا الكلام منذ أشهر". قالت غريس بضيق وهي ترفع رأسها عن المخدة ثم تستوي جالسة على حافة السرير وتتابع بنبرة يشوبها الرجاء : "أنا لم أكن ألح عليك كثيرا في السابق , لكن أرجوك قدر ظروفي".
- "أكيد حبيبتي , لا تقلقي أبدا , زواجنا مسألة وقت فقط , لا أدري لماذا أنت مستعجلة هكذا؟!".
- "لماذا أنا مستعجلة !" .. قالت بمرارة بينما وقف هو أمام المرآة يسرح شعره غير مبالي , وأردفت بحنق : "هناك طفل ينمو في أحشائي , قريبا سيكون ذلك واضحا للجميع . ماذا سأقول للناس ؟ . ماذا سأقول لعائلتي . أمي وأبي كيف سأنظر في عينيهما ؟ كيف سأخبرهما؟" .. قالت بأسى ثم انخرطت في البكاء.
- "أوه حبيبتي" قال وهو يجلس إلى جوارها ويحتضنها : "لم أكن لأخذلك أبدا , أنها مسألة أيام فقط" , ثم طبع قبلة حارة على شفتيها قبل أن يستوي واقفا من جديد ليضع قبعته على رأسه ويغادر الحجرة على عجل , أما هي فقد عادت لتتمدد على السرير ويدها تتحسس بطنها وعيناها الواسعتان الجميلتان ترنوان عبر النافذة المفتوحة , وسرعان ما سرحت إلى حيث تلك المزرعة الخضراء التي قدمت منها أول مرة , وإلى ذلك الكوخ الجميل الذي نشأت وترعرعت بين جنباته الوادعة , ولاح لها وجه أمها الحنون على صفحة غمامة بيضاء تلوح بعيدا في الأفق , فتمتمت مع نفسها بأسى : "هل سأكون أنا السبب في كسر فؤادها ؟ .. أرجوك يا ربي خذ روحي قبل أن تجعلني سببا في حزنها وعذابها".
ولندع غريس المسكينة تكفكف دموعها وحيدة في حجرة ذلك الفندق البائس , ولنمضي مع حبيبها تشيستر الذي ما أن تركها حتى توجه إلى منزل عمه الثري الواقع في أحد أرقى أحياء المدينة.
- "أسمها هارييت يا عمي , وأبوها السيد بندكيت , من أعيان وأثرياء المدينة , أظنك تعرفه؟" قال تشيستر وهو يضع قبعته بين يديه ويجلس باستكانة أمام مكتب عمه السيد جيليت.
- "تريد أن تتزوجها؟" تساءل عمه من دون أن يرفع رأسه , إذ كان منكبا على قراءة بعض الأوراق المتناثرة فوق مكتبه.
- "نعم يا عماه , هناك علاقة حب تجمعني وإياها , وزواجي منها متوقف على قدومك معي لخطبتها من والدها" قال تشيستر بنبرة متوسلة.
- "وماذا سأقول لأبيها؟" صاح عمه محتدا ثم رفع رأسه ونظر شزرا إلى أبن أخيه : "هل أقول له بأني جئت أطلب يد كريمتك المصون إلى أبن أخي الماجن الداعر!".
- "أرجوك عمي , لا تسيء الظن بي" قال تشيستر وقد امتقع لونه.
- "أنا أسيء الظن بك! أم هي سيرتك القذرة التي أصبحت على كل لسان".
- "أقسم لك يا عمي بأني سأتغير" قال تشيستر وهو يطأطأ رأسه نحو الأرض غير قادر على النظر في عيون عمه.
- "سنرى .. سنرى" ردد عمه متأففا ثم أنكب مجددا على الأوراق فوق مكتبه وهو يقول : "سأراقبك لمدة شهرين , لو فعلا عدلت من سلوك وأصبحت رجلا محترما جديرا بأسم عائلة جيليت فسأذهب معك لخطبة الفتاة".
- "سأفعل يا عماه وسترى" قال تشيستر بحماس وغبطة ثم استأذن ونهض ليغادر لكن عمه تداركه قائلا : "تذكر بأني سأراقبك جيدا , وأي فضيحة جديدة ستجعلني أتبرأ منك إلى الأبد".
- "سأكون عند حسن ظنك , أعدك بذلك" قال تشيستر وهو يهم بالخروج , وسرعان ما غادر المنزل وقفل عائدا إلى مصنع عمه حيث يعمل مديرا هناك , وفي الطريق راح يفكر في كلام عمه , وتذكر غريس والطفل النامي في أحشاءها , فأصابه ضيق شديد وتمتم مع نفسه قائلا : "ماذا سأفعل معها ؟ أرجوا أن لا تسبب لي فضيحة".
🔻فتاة حالمة :-
في منزل ريفي بسيط تحيط به حقول القمح الذهبية وأشجار الصنوبر دائمة الخضراء ولدت غريس بروان عام 1886 , كان والدها مزارعا ناجحا , لكن غريس أحبت حياة المدينة , وحالما بلغت الثامنة عشر من عمرها غادرت المزرعة لتعيش مع أختها المتزوجة في مدينة كورتلاند بولاية نيويورك , وهناك عثرت على وظيفة في مصنع لخياطة التنورات النسائية.
البارات 2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما تشيستر , ذلك الثعلب الماكر, فقد أدرك سريعا طبيعة فريسته فراح يتلاعب بها ذات اليمين وذات الشمال , وسرعان ما استدرجها بكلامه المعسول إلى الغرف المؤجرة في الفنادق مستبيحا جسدها بعدما أستباح قلبها وعقلها . وما هي إلا شهور قليلة حتى بانت علامات الحمل على غريس.
وفي تلك الأيام الغابرة , قبل ما يزيد على القرن من الزمان , لم يكن لنساء الغرب نفس القدر من الحرية التي يرفلن بها اليوم , لم يكن المجتمع متسامحا مع النساء اللواتي يقمن علاقة جنسية خارج أطار الزواج . وكانت الفتاة التي تحمل بغير زواج تعد عارا على عائلتها . وهذا في الحقيقة كان أكبر مخاوف غريس , أن تصبح لطخة عار في جبين والديها , فراحت تتوسل تشيستر أن يتزوجها حتى يغطي على الفضيحة . لكن تشيستر لم يكن ينوي الزواج منها أبدا , كان عازما على الزواج من هارييت بندكيت , الفتاة الثرية , أما غريس فلم تكن سوى وقت مستقطع للاستمتاع , لكنها تحولت الآن لصداع , وبدأ يضيق ذرعا بإلحاحها المستمر من أجل الزواج , وخشي أن تسبب له فضيحة , فراح يفكر في طريقة للتخلص منها.
في يونيو / حزيران 1906 ذهبت غريس لزيارة أهلها بعد أن حصلت على وعد من تشيستر بأنه سيرتب أموره خلال فترة غيابها لكي يتزوجا . لكن خلال وجودها في مزرعة والدها تسلمت غريس رسائل من صديقاتها يخبرنها بأن تشيستر لا يمضي وقته في ترتيب أموره كما وعدها , وإنما في مواعدة فتيات أخريات , فأستشاطت غضبا وقررت العودة فورا إلى كورتلاند وهي أكثر تصميما على جعل تشيستر يرضخ لها ويتزوجها. لكنه كالعادة طلب بعض الوقت , وأقترح عليها أن يذهبا في رحلة إلى جبال اديرونداك في شمال نيويورك ليريحا أعصابهما المتوترة قليلا , ولمح إلى انه ربما يتزوجها خلال الرحلة , فوافقت على مرافقته.
تشيستر وغريس وصلا إلى اديرونداك يوم 10 يوليو / تموز ونزلا فندقا هناك . وفي عصر اليوم التالي استأجر تشيستر زورقا من رجل أسمه روبرت ماريسون من أجل أن يصطحب غريس في نزهة مائية في بحيرة بيغ موز.
تشيستر جدف بالزورق إلى أعمق نقطة بالبحيرة حيث يصل عمق الماء لأكثر من 70 قدما , هناك توقف وباغت غريس بضربة قوية على رأسها بواسطة مضرب تنس كان قد جلبه معه , ففقدت غريس توازنها وسقطت في الماء , وكان تشيستر يعلم بأنها لا تجيد السباحة , لكنه لم يحرك ساكنا لإنقاذها رغم توسلها طلبا للنجدة , كل ما فعله هو أنه جلس يتأملها بدم بارد وهي تصارع عبثا من اجل حياتها حتى غيبها الماء وابتلعتها البحيرة , وحين تأكد من غرقها جدف عائدا إلى الشاطئ حيث ترك الزورق في بقعة معزولة وقفل عائدا إلى الفندق ليلملم حاجياته ويركب القطار عائدا إلى كورتلاند.
تشيستر ظن بأنه تخلص من غريس إلى الأبد , وأن الطريق أصبح ممهدا أمامه للزواج من هارييت والفوز بثروتها ..
لكن ربك بالمرصاد .. فقد لفظت البحيرة جثة غريس إلى الشاطئ بعد ساعات من غرقها , وفي المساء , شعر السيد ماريسون بالقلق حين لم يعد تشيستر بزورقه , فخرج برفقة بعض الرجال بحثا عن الزورق , وعثروا عليه متروكا على الشاطئ , وعلى مسافة قريبة منه عثروا على جثة غريس.
تحقيقات الشرطة في ملابسات غرق غريس سرعان ما قادت إلى تشيستر , فتم إلقاء القبض عليه بعد يومين فقط من الحادث . في البداية أنكر أن يكون على معرفة بفتاة أسمها غريس , لكنه عاد أمام الأدلة والشهود ليعترف بأنه خرج فعلا مع غريس في نزهة بالزورق , وزعم بأنها انتحرت بالقفز إلى المياه حينما صارحها بأنه لم يعد يحبها ولن يتزوج منها.
الشرطة لم تصدق مزاعم تشيستر , لأنه حتى لو سلمنا بروايته من أنها قفزت إلى الماء من تلقاء نفسها , فلماذا لم يقفز ورائها وينقذها , خصوصا وهو رياضي وسباح ماهر . كما أن الكدمات على جثة غريس تظهر بوضوح أنها تلقت ضربة قوية على رأسها قبيل سقوطها في الماء .
غدا نلتقي
غريس براون شبح البحيرة الحزين[١]
بواسطة الميثاق
في
يونيو 27, 2019
تقييم:
تابع احسنت
ردحذفأحسنت
ردحذفأحسنت تابع
ردحذفاحسن استمر
ردحذفأحسنت عملا
ردحذفبالتوفييييق 👍👍👍👍
ردحذفروعه
ردحذفBonne histoire continué
ردحذفجميل جدا
ردحذفروعة بتوفيق
ردحذفجميل بالتوفيق
ردحذف